طيور الغاق: معجزة الإسترزاق تحت الماء :ايه من ايات الله
عجيب شأن كل فرد وعضو ـ صغر أم كبر، وحيد الخلية أم متعددها، في اول سلمها أو في أعلاها رقياً ـ في المملكة الحيوانية علي أتساعها الهائل وغناها المُعجز بالأنواع الحيوانية. فلكل خصائصه وصفاته ومقومات دورة حياته وبقائه ثم نفوقه. ولكل "هدايته" للعيش وفق ظروف بيئته، وتأقلمه إذا ما تبدلت هذه الظروف وتغيرت تلك الأحوال. ولقد فُـُطر العدد الهائل علي خصائص وقدرات وسمات قد تبدو لأول وهلة "متباينة/ متناقضة". لكن هذا ـ وغيره ـ يجعلك تلهج بقول "سبحان الله" الذي أودع هذا المخلوق كل هذه الخصائص والقدرات والسمات.
خذ مثلا مبهراً على ذلك هو موضوع هذه السطور علي قلتها، لكن بثقلها بالتعريف بمخلوق يجمع ـ في روعة وإدهاش ـ بين قدرات التحليق والطيران في السماء، وبين براعة السباحة، ورشاقة الغوص في الماء. فلقد جعل الله تعالي رزقه في "غوصه" في طلب الأسماك. ولتقف في تأمل وخشوع وأنت تقرأ صدر سورة هود حيث يقول المولي عزل وجل: "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" (هود: 6).
أستخدام الصيادون لطيور الغاق في الصيدأنواعه كثيرة قد تصل لنحو 39 نوعاً موزعة على سواحل بحار العالم ومحيطاته وجزره وضفاف أنهاره ومصباتها. فالبيئة الملائمة لحياتها هي السواحل البحرية والمياه الداخلية، وتعد الجزر التي تلجأ إليها للتكاثر مورداً لا ينضب لنوع من أنواع السماد العضوي المتراكم بمرور الأيام ويطلق عليه اسم "جوانو".
يندرج ضمن رتبة: Pelecaniformes، وفصيلة: Phalacrocoracidae، وجنس: Phalacrocorax، ونوع: P. aristotelis. إنه طائر الغاق Phalacrocorax aristotelis الذي يلقب أحيانا:"بغراب البحر". له شهرة كبيرة حيث يعتبر رمز لمدينة "ليفربول" الإنجليزية وناديها الرياضي. فبه تتزين مباني المدينة الحكومية والعادية بتحف هذا الطائر الجميل الرشيق. ففي الصين واليابان وحوض مناطق أخرى حول العالم تم تدريب طيور الغاق لتقوم بصيد الأسماك، وجلبها للصيادين منذ القرن الخامس الميلادي. وفي فرنسا احتفظ لويس الثالث عشر بهذه الطيور في «مونتين بلو» في حين احتفظ جيمس الأول ملك انجلترا بما عرف «بالغاق الرئيس». كما يستثمره الصيادون الصينيون في بحر "لي جيانغ" في صيد الأسماك نظراً لوجود جراب في رقبته يستخدمه في تخزين الأسماك. ولكي لا يقوم بالتهام الأسماك، يلجأ الصيادون إلى لف بعض الخيوط حول عنقه. ولا يزال الطائر يستخدم في جلب الغذاء للإنسان في مناطق كثيرة من قارات العالم. ويعتبر الصيد باستخدام الغاق ضربا من ضروب السياحة الطبيعية في العصر الحديث.
وهناك نوع الغاق السوقطري وهو متوطن في شبه الجزيرة العربية، لونه العام أسود، وله بريق معدني على قمة الرأس والكتفين. ويصل طوله: 80 سم، إمتداد الجناحين: 130 سم. تناقصت أعداد مستعمراته المعروفة بالخليج العربي من 28 إلى 13 فقط (ثلاثة منها بالسعودية، وسبعة بالإمارات ومستعمرة واحدة في كل من قطر والبحرين وعمان). وتقدر أعداد الأفراد فيها بنحو 000ر220 زوج)، تمثل (95% من تعداد الطائر عالميا). وهناك مستعمرتان منه خارج الخليج العربي أحدهما في جزيرة سوقطرة اليمنية. ويطلق على هذا النوع في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية مسمى "اللوهة".
تكاثر طيور الغاق
تُكوِّن هذه الطيور مستعمرات كبيرة الأعداد لأجل التكاثر. وتتخذ لها أعشاشا على الأرض عبارة عن حفر صغيرة بين الحصى والحجارة. تضع الأنثى من ثلاث إلى خمس بيضات ذات لون أزرق مخضر وبقع بنية خصوصا عند الطرف العريض للبيضة. ويشترك الذكر مع الأنثى في حضانة البيض ورعاية الأفراخ. ويطفو على السطح ليأكل ما رزقه الله تعالي من صيد.
إعجاز الخلق، والتقدير والهداية
ليس لهذه الطيور أكياس هواء تحت الجلد ولا تحتوي العظام على الهواء، لذلك فهي تطفو بسرعة أقل من أشباهها. وتغطس إلى أعماق تزيد عن 20 مترا تراها تطير في صمت على ارتفاع منخفض فوق سطح الماء في أسراب على شكل رقم 7 أو في خطوط مستقيمة. تبحث طيور الغاق ـ فرادي وجماعات ـ عن الأسماك أثناء الطيران/ السباحة، وعندما تحدد موقع السمكة، تغوص بخفة وسرعة ورشاقة تحت الماء. ريشها الخارجي يسمح بمرور الماء اما طبقته الداخلية فلا، ليحافظ علي حرارة الجسم. عند غوصها وهبها الله تعالي قدرة التحكم ـ في تناسق وتوائم وتوافق ـ في أجهزتها وبخاصة الجهاز التنفسي والدوري والعضلي. فيقل عمل القلب ليقل استنفاد الأكسجين. وتستهلك كمية كبيرة من الطاقة المخزنة في عضلات الفخذ. وبضربات قوية بأقدامها الكفية، جامعة جناحيها تغوص إلي العمق. تغير من أتجاهاتها بسرعة مذهلة. وإذا ما شعرت بالحاجة للأكسجين تعود سريعا لسطح الماء. ثم تعاود الغطس، وتعود إلى السطح ـ لتحمد ربها، وتأكل صيدها.
صورة لاحد أسراب طائر الغاقتحديات التي تواجه طيور الغاق
تواجه بعض مستعمرات الغاق تحديات مثل انتشار بعض الأمراض الفيروسية والطفيلية التي قضت على أعداد كبيرة منها وسببت تقلص أعدادها المتبقية. ففي أمريكا الشمالية لما أزدادت أعداد «الغاق ذو العرف المزدوج»، ـ لوفرة غذائه من الأسماك، وكفاءة إجراءات حمايته كطائر مهاجر، وقلة الملوثات في البيئةـ اعتبره السكان "آفة". وقامت سلطات بعض الولايات المتحدة الأمريكية بمكافحته خلال العقد الماضي،ووضعت خططا بحيث تبقى أعداده في الحدود التي تسمح بالمحافظة عليه دون أن يهدد مناطق الصيد والسياحة. أما أهم المشاكل التي تواجهها طيور الغاق السقطري بالخليج هي الإزعاج البشري في مناطق التعشيش، والتلوث النفطي، واستخدام الشباك الكبيرة لصيد السمك الذي تعلق بها الطيور خلال تغذيتها.